مخاطر اقتصادية وضرورة إعلان حال الطوارئ - بقلم الخبير الاقتصادي رازي الحاج

الأربعاء، 15 تشرين الأول / أكتوبر 2014
صدى البلد الأربعاء 15 تشرين الأول- ملحق المصارف

           لا عجب في وطن أصبح دستوره وجهة نظر أن يتخبط به الاقتصاد الوطني وتترنّح أرقامه بفعل العواصف السياسية والأمينة التي تعصف بالبلاد والمنطقة. ولا عجب أن نرى لبنانيين يتقاتلون ويُقتلون، يتطرّفون ويطفرون البلاد في غرائب بعيدة كل البعد عن مفاهيم وتراث اللبنانيين الروحي والثقافي والوطني طالما لم يروا قط دولة ترعاهم وتتبنى أحلامهم، فتوقظهم من كابوس الفقر والحرمان. هم يغرقون في مستنقعات الآفات الاجتماعية وعدم القدرة على التعليم والاستشفاء وتوفير فرص عمل لشبابهم الذي لم يجد بعضهم سوى عبّارة الموت الإندونيسية خشبةً للخلاص.

بالعودة إلى الواقع الاقتصادي اللبناني، يمكن تحديد المخاطر الرئيسية بالآتي:

أولاً: عجز الدولة اللبنانية وهي من دون رئيس لجمهوريّتها على مسك ملف "النفط والغاز" بشكل صحيح عبر التشريع، ووضع خطط وضوابط له، واحترام المهل، واستكمال عملية التنقيب عنه بالطرق العلمية والقانونية.

ثانياً: غياب النمو للسنة الرابعة على التوالي مما ينذر بالمزيد من المؤشرات الاقتصادية السلبية أبرزها استمرار انخفاض الاستثمارات الخارجية والداخلية، وزيادة العجز الأولي، وزيادة حجم البطالة، وزيادة العجز في الميزان التجاري، وانخفاض حجم الصادرات الوطنية.

ثالثاً: عدم تمكّن الحكومة ومجلس النواب من إقرار الموازنة العامة منذ عام 2005 علماً أن إقرارها قد أصبح ملحاً لضبط وتصويب مسار الإنفاق الحكومي الذي بغيابها يعرّض المالية العامة للاهتزاز ويزيد من العجز والمديونية.

رابعاً: عدم معالجة واقع "النزوح السوري الكثيف" إلى لبنان الذي تسبّب بخسائر فادحة  في الاقتصاد الوطني، والبنية التحتيّة، كما في قطاعات التعليم والاستشفاء والبيئة قُدّرت بحوالي 7.5 مليار دولار، بالإضافة إلى المنافسة غير المشروعة للعامل اللبناني الذي خسر آلاف فرص عمل جراء استبدالهم ومزاحمتهم من قبل السوريين.

 

خامساً: التخبّط الكبير الحاصل في موضوع "سلسلة الرتب والرواتب" والمزايدات السياسية، وغياب تحديد دقيق لإمكانية تمويلها ومخاطر إقرارها بالإضافة إلى ربط بعض القطاعات ببعضهم البعض على أسس غير علمية.  

سادساً: تحوّل الدولة إلى دولة ريعيّة غير منتجة عبر التوظيف الكثيف في بعض مؤسساتها العامة وعدم القيام بإصلاح جذري للقطاع العام.

سابعاً: عدم القدرة حتى اليوم على وقف نزيف مؤسسة كهرباء لبنان الذي يكبّد الخزينة أكثر ملياري دولار سنوياً.

ثامناً: زيادة نسبة المديونية العامة حيث وصل الدين العام في أواخر عام 2013 إلى 63.35 مليار دولار، ومن المرجّح أن يرتفع هذا الرقم مع نهاية العام الحالي ليتجاوز عتبة الـ 66 مليار دولار، كذلك ارتفاع نسبة الدين العام على الناتج المحلي من 133.9% في عام 2011 إلى 143.2 % في عام 2013.

تاسعاً: تأثر القطاعات الاقتصادية من عدم قدرة القطاع الزراعي وبشكل خاص مزارعي التفاح هذا العام على تصريف إنتاجه بسبب الواقع المضطرب في دول الجوار وإقفال الحدود مما زاد بشكل كبير من كلفة النقل وعدم تحرّك الدولة تجاه العمل على فتح أسواق جديدة. يُضاف إلى ذلك الخسائر الكبيرة التي مُنيَ بها القطاع السياحي جراء الأحداث الأمنية المتنقلة حيث أقفل عدد كبير من تلك المؤسسات من مقاهٍ ومطاعم وفنادق.

عاشراً: الفساد المستشري في دوائر الدولة وبشكل خاص التهرب الجمركي الذي يقدر بحوالي مليار وثلاثمائة مليون دولار سنوياً، بالإضافة إلى الخسائر غير المباشرة التي يتكبدها قطاع الصناعة المحلي.

         

 أمام هذا الواقع المرير، نرى أن المطلوب فوراً هو إعلان حال طوارئ اقتصادية قوامها أولاً فتح مجلس النواب لانتخاب رئيس للجمهورية إذا أمكن، ومن ثم إقرار الموازنة العامة، وتحرير إنتاج الكهرباء وصولاً إلى إغلاق المؤسسة بشكل كامل أو حصر عملها بإنارة الشبكات العامة للطرقات، ثمّ الإسراع في استكمال الملف القانوني والتقني للتنقيب عن النفق دون التباطؤ وخلق عراقيل سياسية، وأخيراً إعادة النظر بإيرادات سلسلة الرتب والرواتب. ويُضاف إلى ما سبق وأشرنا إليه، معالجة ملف النزوح السوري بشكل حازم عبر الفصل بين النازحين والعاملين، وبالتالي تطبيق الإجراءات المرعيّة على العمّال منهم أسوةً بالأجانب الآخرين من جنسيّات مختلفة غير لبنانيّة. ولا بدّ أيضاً أن تتحرّك الأجهزة القضائيّة والتفتيش المركزي لرصد معابر الدولة الرسمية لوقف الفساد المستشري في المرافئ العامة. وأخيراً، يبقى على الدولة أن تنظر نظرة الرعاية إلى المزارعين اللبنانيين وتعمل على مساعدتهم لتصريف إنتاجهم وذلك عبر إجراء اللازم للانفتاح على الأسواق الأوروبيّة وغيرها وتفعيل حركة التصدير في هذا السياق.

للحظة قد يشعر قارئ هذه السطور بنوع من استحالة إطلاق ورشة إصلاح اقتصادي في لبنان، لكن لا خيار أمامنا إلا بالتصدي للمخاطر واحدة تلوى الأخرى. فلا يمكن  مكافحة الإرهاب من دون استقرار اجتماعي اقتصادي يحدّ من الفقر الذي يشكّل العامل الأساسي في تكوين بيئة حاضنة للإرهاب والتفلّت من القانون. ولا حل إلا بمشروع اقتصادي وطني تتحمل مسؤوليته الطبقة السياسية والهيئات الاقتصادية والنقابات العمالية تحت عنوان إحياء الطبقة الوسطى.

Your message has been sent successfully